في حِداد المِداد: كلمة على سطر صالح عبّاس حريري ـ يونس زلزلي

أيُّها العائد من مفازة الأنين بجنازة الحنين، اِمشِ الهُوينا نعشًا فوق ألف رمشٍ ورمش إلى روضتك الأثيرة وعلى يسارك جهة القلب يرقد يوسف. أيُّها الجنوبيّ الذي لم تستلبه بهارج الغربة وسراب الدّنيا؛ فبقي متعلّقًا بتراب منبته قامةً لم تلفحها شمس أفريقيا إلّا جبينًا مرفوعا. لم تقدَّ قميصه غوايات الانبهار. لم تبدّل أيّام النّأي دمه النّقيّ أو ابتسامته البهيّة.

يا حادي القصيد أناشيد في هودج الوفاء، رأيتك هنا تسلطن حين “تُهَليِِنُ” تحت ظلال الزّيتون. رأيتُك تعود إلى الأرض التي افتديت، موشَّحًا بالرّاية الّتي اجتديت تحتها كلّ عزٍّ وعنفوان. نتوق إلى خطاك تشفّ بظلّك الخفيف وضحكك الأليف. أيّها المضرَّجُ بالبراءة في شريط الذّكريات: حَوِّم بروحك في مدى أعمارنا يا ابن البيت الفقير الغنيّ، يا ابن السّاعي بالبنادق بين الخنادق وسفير محمّد سعد بين الدّساكر والعساكر مقاومًا مخفيًّا ومجهولا ومَكفيًّا بأبنائه المقاومين المعلومين وصالح واسطة عقدهم وحَبّة مسكهم.

لم تطق الأدوية والأمصال وأنت ربيب الأودية وأديب الأبطال. أيّ تغريبةٍ تلك التي حفرت كلّ أخاديد الوجع؟ أيّ حلكةٍ لَيَّلَتْ شعاعك وأسبلَتْ ذراعك وأذبلَتْ يراعك المنطلق بالوفاء والمؤتلق بالضّياء والمندلق بالحُبّ؟

صالح، يا قرارة بحر أمل وقارورة عطر كشّافها الرّساليّ. أنت أنت من المؤسّسة إلى كلّ الجهات والجبهات: لا تميل قرارا ولا تطيل فِرارا. ها أنت ذا، تقف على حدّ العمر بين خطّ الاستواء وخطّ الانتماء؛ فتختار أرض ديرقانون طاويًا آلام المراحل وأسقام المجاهل، لتغفو هنا دمعةً على حَفَّة الدّير وضفّة النّهر بعدما ذوّبْتَ عصارة العمر في محضر الوفاء ومَخبر العطاء وزوّادة الغربة. ألا إنّ روحك البيضاء لا تطمئنّ إلّا حيث أَذَّنَ العلماء وأُبِّنَ الشّهداء.

هذه الرّوح أخي “شبل” هي سنبلة قمحٍ قديم وقنبلة فتحٍ قويم حين صار الجنوب قِبلة نسكك المرتجاة وقُبلة عشقك المشتهاة؛ فآثَرتَ أن تفرش أضلعك حريرًا وحصيرًا لحبّات ترابه. حملناك فوق دموع زيتوننا الأخضر في موكبٍ أعاد يعقوبك إلى ذِكْرِ بِكْرِه يوسف سيفًا لا يُدَارَى وحتفًا لا يُجارَى. وبينك وبين يوسف يصعّد أيلول آهة الوجع مؤرّخًا ولادتك وميلاد وشهادة أخيك. لكنّ الموت لا يطوي أوراقكم. فمعراج أرواحكم لا ينكفئ، وسراج بيتكم لا ينطفئ مهما جار الزّمان. نحفظكم ياسمين أرضنا الأنصع ونسيم نبضنا الأروع. وأنتم الأحبّ إلى قلوبنا، لأنّكم الأقرب إلى الله والإنسان. أعلنوا انتسابكم للتّراب؛ وفاتحة الكتاب. ففي ضريحكم تعرّشُ روح الحسين وتهبّ رياح كربلائه.

يونس زلزلي

١٠ نيسان ٢٠٢١

Leave A Reply